النظام العالمي نحو حرب مالية شاملة
صفحة 1 من اصل 1
النظام العالمي نحو حرب مالية شاملة
في عصر توحش الرأسمال ... قد يختلف المحللون الاقتصاديون حول الكثير من الأسباب والنتائج المتوقعة للأزمة الخطيرة التي تشهدها أسواق المال العالمية والتي تمثلت بالاضطرابات الحادة في البورصات وأسواق النقد وأسواق الطاقة والمعادن الثمينة، فضلاً عن الاضطرابات والانهيارات في المؤسسات المالية المختلفة مثل بنوك الاستثمار وشركات التأمين والمؤسسات التي تقدم التمويل العقاري، إضافة إلى أسواق النفط التي شهدت تقلبات حادة بل قفزات سواء بالارتفاع أو الانخفاض.
لكن الأمر المتفق عليه من الجميع أن تلك الاضطرابات قد أحدثت حالة من الذعر وانهيار الثقة في الأسواق المالية وهي الحالة التي شكلت العامل المشترك بين المستثمرين على مستوى العالم، وإن اختلفت حدته من منطقة إلى أخرى من العالم، إضافة إلى حالة من القلق الدائم عند المستهلكين خصوصاً الشرائح المتوسطة والفقيرة في العالم.
الدكتور نبيل حشاد رئيس المركز العربي للدراسات والاستشارات المالية والمصرفية بالقاهرة يقدم قراءة عميقة ولكن بأسلوب مبسط لجوهر الأزمة الحالية في مقاله الهام "الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على الاقتصاد العربي" الذي نشر مؤخراً في الجزيرة نت إذ يقول:
"إن سبب حدوث أزمة الرهن العقاري هو توسع المؤسسات المالية الأميركية في منح القروض السكنية بصورة لم يسبق لها مثيل من ناحية وزيادة نسبة القروض إلى قيمة الممتلكات (المساكن) من ناحية أخرى، وقد قدمت المؤسسات المالية تلك القروض لعدد كبير من المستهلكين أصحاب الملاءة الضعيفة أو الجدارة الائتمانية الرديئة بمعنى أن رغبتهم وقدرتهم على سداد القروض متدنية وبالتالي يتعثرون عند حلول مواعيد سداد القروض، مما يؤثر على وضع المؤسسات المالية التي منحت القروض، ومن ثم عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وانهيارها.... إضافة إلى أن هناك خاصية معينة تتميز بها المؤسسات المالية والمصرفية وهي درجة التشابك الكبيرة بينها وخصوصا بعد استحداث الأدوات المالية الجديدة في المجال المالي بصفة عامة وفي مجال التمويل العقاري بصفة خاصة والذي انتشر في التسنيد أو التوريق بصورة كبيرة وذلك من خلال تحويل القروض السكنية إلى سندات مدعومة بتلك القروض مما يؤدي إلى تشابك المؤسسات المالية، وبالتالي فإن تعرض إحداهما للانهيار أو الإفلاس يؤدي إلى تعثر وانهيار مؤسسات مالية أخرى".
وهذا ينتج عن خاصية أخرى يتميز بها القطاع المالي وهي أنه عند إفلاس أو انهيار مؤسسة مالية بسبب وضعها السيئ فإن الذعر يصيب المودعين في المؤسسات المالية الأخرى، التي يكون الوضع المالي لمعظمها جيدا، فيلجؤون إلى سحب ودائعهم.
وبالتالي فإن سحب الودائع بصورة مفاجئة يؤدي إلى انهيار تلك المؤسسات المالية حتى لو كان وضعها جيدا وسليما. وهذا الأمر يطلق عليه أثر الدومينو بحيث لو انهارت ورقة واحدة من أوراق لعبة الدومينو انهارت باقي الأوراق، لذا نجد أن تدخل البنوك المركزية في هذه الحالات يعتبر أمرا ضروريا.
وقد يكون الدكتور حشاد قد أصاب فيما ذهب إليه، إلا أنه أغفل نقطة أساسية وهي أن تلك القروض مستندة في مرجعيتها إلى الدولار بصفته عملة المخزون النقدي الدولي.
وهذا ما لاحظه جورج سوروس، الملياردير الأميركي الكبير ، في مقال نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» معلقاً على الأزمة الحالية التي اعتبرها أخطر أزمة تعرض لها النظام المالي العالمي خلال الستين سنة الأخيرة.
ومؤكداً أن ما تشهده أميركا اليوم هو ركود إقتصادي لا يقل عن الركود الذي شهدته في سنوات النكبة الكبرى (1929 ـ 1933) يقول سوروس:
"لقد سمحت العولمة المالية للولايات المتحدة باستغلال هذا المخزون النقدي، ومن ثم استهلاك أكثر مما تنتجه. وشجعت الحكومة الفيدرالية اتجاه الأسواق المالية إلى حث المستهلكين على القرض بخلق حوافز ملائمة وإبداع آليات جديدة لم تنفك تزداد تعقيدا إلى درجة أن السلطات نفسها لم تعد قادرة على احتساب المخاطر المتعلقة بالقروض، مستندة إلى الأدوات المصرفية المحضة. ولذا، فان ما تعيشه الولايات المتحدة هو بالفعل ركود اقتصادي حاد لا تفيد في مواجهته مناهج التدخل التقليدية، في حين يبدو من الواضح ان بقية العالم محجمة عن زيادة مخزونها النقدي بالدولار الذي يعرف منذ سنوات انتكاسة متزايدة".
لكن الملاحظة الأهم التي يوردها سوروس، وهو من كبار أعمدة النظام الرأسمالي، هي انهيار دور الولايات المتحدة الأميركية القيادي اقتصادياً في العالم وتحول مركز الثقل من الغرب إلى الشرق:
"الأزمة الحادة التي تعصف بقلب المنظومة الرأسمالية في أمريكا وأوروبا قد لا تتعلق بالبلدان الآسيوية الصاعدة كالصين والهند، وكذلك البلدان المنتجة للنفط التي سجلت في الآونة الأخيرة نسب نمو مرتفعة. وبالتالي فإنها تعبر عن تحول جذري في الخارطة الاقتصادية العالمية، مما سيتجسد في انحطاط نسبي للولايات المتحدة وإقلاع الصين والبلدان النامية.. إن هذه الأزمة ليست ظرفية، بل تعكس التحول الهائل الذي غير البنية الاقتصادية العالمية، بحيث أصبحت البلدان النامية، خصوصا الصين والهند قاطرات النمو العالمي"
وهو الأمر الذي أكده الباحث الموريتاني السيد ولد أباه في مقاله المعنون "أزمة النظام المالي العالمي.. وانتقال مركز الرأسمالية للشرق" حين تحدث عن تحول مركز الصدارة تدريجيا من «الغرب الشامل» إلى «الشرق الشامل»، مما يفسح المجال في آن واحد لآفاق واعدة وصدامات وأزمات حادة.
في حين أوغل المحللان الاقتصاديان بيتر بون وسايمون جونسون نحو الأبعد في مقال مشترك في صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان "الحرب العالمية المقبلة قد تكون مالية" يتكهنان فيه بحرب مالية عالمية، ويقولان إن الأفق المالي العالمي يزداد كآبة وخطورة يوما تلو الآخر.
ومضيا يقولان إن التحركات الأميركية والأوروبية الرامية لإنقاذ المصارف التي عصفت بها الأزمة المالية لا تشير إلى ركود أكثر إيلاما وحسب، بل إلى الحاجة الماسة لتضافر الجهود الدولية بغية تفادي ما هو أسوأ: حرب مالية شاملة.
وهي الحرب التي ستحرك الجبهات العسكرية ثانية، حيث توجد الثروات الباطنية والنفط واليد العاملة الرخيصة والأسواق الناشئة في آن.. يبدو أنها لعبة الرأسمالية الدائمة والمستمرة حين يتوحش رأسمال ويشعر بالحصار في ظل نظام تنافسي قائم على الاستغلال وفضل القيمة واعتبار الربح هو الهدف الأول والأخير وتحول قانون (دعه يعمل .. دعه يمر) إلى قانون القوة الغاشمة والثروة المتوحشة حيث يتم استباحة الشعوب والأمم الفقيرة لصالح القلة التي تأكل الأخضر واليابس!!
لكن الأمر المتفق عليه من الجميع أن تلك الاضطرابات قد أحدثت حالة من الذعر وانهيار الثقة في الأسواق المالية وهي الحالة التي شكلت العامل المشترك بين المستثمرين على مستوى العالم، وإن اختلفت حدته من منطقة إلى أخرى من العالم، إضافة إلى حالة من القلق الدائم عند المستهلكين خصوصاً الشرائح المتوسطة والفقيرة في العالم.
الدكتور نبيل حشاد رئيس المركز العربي للدراسات والاستشارات المالية والمصرفية بالقاهرة يقدم قراءة عميقة ولكن بأسلوب مبسط لجوهر الأزمة الحالية في مقاله الهام "الأزمة المالية العالمية وتأثيرها على الاقتصاد العربي" الذي نشر مؤخراً في الجزيرة نت إذ يقول:
"إن سبب حدوث أزمة الرهن العقاري هو توسع المؤسسات المالية الأميركية في منح القروض السكنية بصورة لم يسبق لها مثيل من ناحية وزيادة نسبة القروض إلى قيمة الممتلكات (المساكن) من ناحية أخرى، وقد قدمت المؤسسات المالية تلك القروض لعدد كبير من المستهلكين أصحاب الملاءة الضعيفة أو الجدارة الائتمانية الرديئة بمعنى أن رغبتهم وقدرتهم على سداد القروض متدنية وبالتالي يتعثرون عند حلول مواعيد سداد القروض، مما يؤثر على وضع المؤسسات المالية التي منحت القروض، ومن ثم عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وانهيارها.... إضافة إلى أن هناك خاصية معينة تتميز بها المؤسسات المالية والمصرفية وهي درجة التشابك الكبيرة بينها وخصوصا بعد استحداث الأدوات المالية الجديدة في المجال المالي بصفة عامة وفي مجال التمويل العقاري بصفة خاصة والذي انتشر في التسنيد أو التوريق بصورة كبيرة وذلك من خلال تحويل القروض السكنية إلى سندات مدعومة بتلك القروض مما يؤدي إلى تشابك المؤسسات المالية، وبالتالي فإن تعرض إحداهما للانهيار أو الإفلاس يؤدي إلى تعثر وانهيار مؤسسات مالية أخرى".
وهذا ينتج عن خاصية أخرى يتميز بها القطاع المالي وهي أنه عند إفلاس أو انهيار مؤسسة مالية بسبب وضعها السيئ فإن الذعر يصيب المودعين في المؤسسات المالية الأخرى، التي يكون الوضع المالي لمعظمها جيدا، فيلجؤون إلى سحب ودائعهم.
وبالتالي فإن سحب الودائع بصورة مفاجئة يؤدي إلى انهيار تلك المؤسسات المالية حتى لو كان وضعها جيدا وسليما. وهذا الأمر يطلق عليه أثر الدومينو بحيث لو انهارت ورقة واحدة من أوراق لعبة الدومينو انهارت باقي الأوراق، لذا نجد أن تدخل البنوك المركزية في هذه الحالات يعتبر أمرا ضروريا.
وقد يكون الدكتور حشاد قد أصاب فيما ذهب إليه، إلا أنه أغفل نقطة أساسية وهي أن تلك القروض مستندة في مرجعيتها إلى الدولار بصفته عملة المخزون النقدي الدولي.
وهذا ما لاحظه جورج سوروس، الملياردير الأميركي الكبير ، في مقال نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» معلقاً على الأزمة الحالية التي اعتبرها أخطر أزمة تعرض لها النظام المالي العالمي خلال الستين سنة الأخيرة.
ومؤكداً أن ما تشهده أميركا اليوم هو ركود إقتصادي لا يقل عن الركود الذي شهدته في سنوات النكبة الكبرى (1929 ـ 1933) يقول سوروس:
"لقد سمحت العولمة المالية للولايات المتحدة باستغلال هذا المخزون النقدي، ومن ثم استهلاك أكثر مما تنتجه. وشجعت الحكومة الفيدرالية اتجاه الأسواق المالية إلى حث المستهلكين على القرض بخلق حوافز ملائمة وإبداع آليات جديدة لم تنفك تزداد تعقيدا إلى درجة أن السلطات نفسها لم تعد قادرة على احتساب المخاطر المتعلقة بالقروض، مستندة إلى الأدوات المصرفية المحضة. ولذا، فان ما تعيشه الولايات المتحدة هو بالفعل ركود اقتصادي حاد لا تفيد في مواجهته مناهج التدخل التقليدية، في حين يبدو من الواضح ان بقية العالم محجمة عن زيادة مخزونها النقدي بالدولار الذي يعرف منذ سنوات انتكاسة متزايدة".
لكن الملاحظة الأهم التي يوردها سوروس، وهو من كبار أعمدة النظام الرأسمالي، هي انهيار دور الولايات المتحدة الأميركية القيادي اقتصادياً في العالم وتحول مركز الثقل من الغرب إلى الشرق:
"الأزمة الحادة التي تعصف بقلب المنظومة الرأسمالية في أمريكا وأوروبا قد لا تتعلق بالبلدان الآسيوية الصاعدة كالصين والهند، وكذلك البلدان المنتجة للنفط التي سجلت في الآونة الأخيرة نسب نمو مرتفعة. وبالتالي فإنها تعبر عن تحول جذري في الخارطة الاقتصادية العالمية، مما سيتجسد في انحطاط نسبي للولايات المتحدة وإقلاع الصين والبلدان النامية.. إن هذه الأزمة ليست ظرفية، بل تعكس التحول الهائل الذي غير البنية الاقتصادية العالمية، بحيث أصبحت البلدان النامية، خصوصا الصين والهند قاطرات النمو العالمي"
وهو الأمر الذي أكده الباحث الموريتاني السيد ولد أباه في مقاله المعنون "أزمة النظام المالي العالمي.. وانتقال مركز الرأسمالية للشرق" حين تحدث عن تحول مركز الصدارة تدريجيا من «الغرب الشامل» إلى «الشرق الشامل»، مما يفسح المجال في آن واحد لآفاق واعدة وصدامات وأزمات حادة.
في حين أوغل المحللان الاقتصاديان بيتر بون وسايمون جونسون نحو الأبعد في مقال مشترك في صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان "الحرب العالمية المقبلة قد تكون مالية" يتكهنان فيه بحرب مالية عالمية، ويقولان إن الأفق المالي العالمي يزداد كآبة وخطورة يوما تلو الآخر.
ومضيا يقولان إن التحركات الأميركية والأوروبية الرامية لإنقاذ المصارف التي عصفت بها الأزمة المالية لا تشير إلى ركود أكثر إيلاما وحسب، بل إلى الحاجة الماسة لتضافر الجهود الدولية بغية تفادي ما هو أسوأ: حرب مالية شاملة.
وهي الحرب التي ستحرك الجبهات العسكرية ثانية، حيث توجد الثروات الباطنية والنفط واليد العاملة الرخيصة والأسواق الناشئة في آن.. يبدو أنها لعبة الرأسمالية الدائمة والمستمرة حين يتوحش رأسمال ويشعر بالحصار في ظل نظام تنافسي قائم على الاستغلال وفضل القيمة واعتبار الربح هو الهدف الأول والأخير وتحول قانون (دعه يعمل .. دعه يمر) إلى قانون القوة الغاشمة والثروة المتوحشة حيث يتم استباحة الشعوب والأمم الفقيرة لصالح القلة التي تأكل الأخضر واليابس!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى